السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نهر من اليقين جارٍ، يسقي القلوب بإيمان حي وتسليم راضٍ، ويملأ النفس بإجلال مهيب وتعظيم مقدس، إنه التأمل في ملكوت السماء والأرض، فيجد المؤمن في كل ورقة، وفي كل قطرة، وفي كل شعاع، وفي كل نبضة أفقاً فسيحاً من التفكر، يسمو به إلى مدارك العلا، ليهتف من أعماقه: سبحانك ربي!
وصغارنا، تلك القلوب الناشئة والنفوس الغضة، أجمل بمن يسقي جوانحها من نهر التفكر، ويضيء بصيرتها بنور التأمل، ليشتد عودها على أساس قوي من التعظيم والتسبيح، واليقين والإجلال!
ومن أعظم وأيسر السبل الموصلة إلى تعظيم الله تعالى؛ التأمل في خلق الإنسان وتكوينه، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، ولذا فإن من المؤثر بحق أن يغرس الوالدان في الأبناء منذ نشأتهم، مهارات النظرة العميقة لقدرة الله تعالى في خلق الإنسان، وما وهبه من قدرات عظيمة، والتساؤل معهم بخيال خلاّق: ماذا لو كان لدينا يد واحدة؟ أو كيف سنكون لو لم يكن لدينا ركب أو أجفان أو أظافر؟ ماذا لو كانت الأصابع أقل أو أكثر؟ كيف يعمل القلب بلا كلل ولا ملل؟ وكيف ترشح الكلى الدم على الرغم من صغر حجمها؟ حتى نصل بالإجابات معهم إلى قمة الشكر لله تعالى، وذرا الإيمان به وبقدرته سبحانه!
ومن زاوية مشابهة، نجد أن صغارنا بعشقهم لعالم الحيوانات المثير خاصة في سنيهم الأولى، نجد أنهم سيستمتعون حقاً باستغلال هذا الحب في التفكر في آلاف المخلوقات المدهشة، بتنوعها، ونظامها، ورزقها، وأممها، وفوائدها للإنسان أو ضررها، وبالصراع بينها، وبجمال خلقتها أو غرابتها، محاولين ربط كل صورة مدهشة بآية تدل عليها من كتاب الله، وتسبيح البارئ جل وعلا في كل نظرة: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت).
كما أن النزهات في الهواء الطلق؛ فرصة الوالدين لتدريب صغارهما على التأمل في السماء "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" ، والجبال "وإلى الجبال كيف نصبت"، والأرض والنجوم، والأشجار، والرمال، وفضاء واسع للنظر والتسبيح!
بل إن في إمكان الوالدين حتى على مائدة الطعام،أن يثيرا نقاشاً ثرياً حول التفكر في خلق الله تعالى للنبات وما أخرجه الله تعالى من الأرض، واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها، وكيف تُسقى من ماء واحد، فيخرج به أزواج من نبات شتى..
وليذكر الوالدان صغارهما دائما بآيات التفكر والتأمل عند كل مشهد مناسب، والوقوف عندها إن مرت بهم في السور التي يحفظونها في المدرسة أو الحلقة، وليرسخ في نفوسهم أن التأمل عبادة يؤجرون عليها، وبها الاستجابة لدعوة الله تعالى، والزيادة في اليقين والإيمان.
وليكن التأمل في ملكوت الله، دافعاً إلى تقدير الله تعالى حق قدره، فتُطاع أوامره، وتُجتنب نواهيه، ويُرجى ثوابه ويُخشى عقابه، ويعظم نظر الله تعالى إليه، فيكبر الطفل وفي نفسه هذا الوازع، قوياً في نفسه راسخاً في ذهنه، مهما تغيّرت الأحوال والظروف.
كما أن التأمل في الأنفس والآفاق، يصل بالطفل إلى نتيجة أن كل ما في الكون هو نعمة من الله علينا، فالواجب شكره تعالى وحمده، والقيام بحقه، ولتعترف ألسنتهم وقلوبهم كل صباح ومساء: "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر"..